هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب

هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب؟ ومتى يُستجاب الدعاء؟ إن الدعاء هو صلة بين العبد وربه، ليس فيه وسيط أو شريك، ومن المفترض أن يكون خالصًا لوجه الله، يقينًا بأن الله لا يكتب إلا الخير أبدًا، وهو وحده من بيده مقادير السماوات والأرض، ويعلم ما تكنّ به النفس وهو أعلم بما في القلوب.. ومن خلال موقع زيادة يُمكننا ذكر أحكام الدعاء وآدابه.

هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب

نتاجًا لظلم واقع على أحدهم ربما يلجأ إلى الدعاء على من ظلمه بالموت أو الهلاك، ولا يعلم من يدعو هكذا عاقبة الأمر، نعلمُ أن الدعاء لله من أفضل العبادات وأجلّها وإن كان صادقًا في خشوع وتضرع فهو أفضل، وأن الدعاء يكون بما تكنّ به النفس، إلا أن هذا لا ينفي وجود آداب للدعاء لا ينبغي تجاوزها.

فمهما تعرض المرء من الأذى لا عليه أن يرده بأذى مثله حتى ولو من خلال الدعاء، لأن هذا ليس من أركانه، كما قال الله تعالى في سورة النساء:

لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)“.

كما أكدت الآية الكريمة على أن استحضار النية قبل الدعاء هو أمر هام، والتي يُشترط أن تكون نية خالصة لله، ليس فيها من الشر أو تعمد الأذى للغير، حتى يكون الدعاء صادقًا أقرب إلى الاستجابة.. ولتوضيح الإجابة على سؤالنا “هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب” فإنه بذلك لا يُستجاب، لأن الدعاء بالموت على أحد يكون إثر تعرض للظلم منه، وهو ما وضعته الشريعة في دائرة غير الجائز من الأحكام.

اقرأ أيضًا: فضل الصلاة على الني في استجابة الدعاء

متى يستجاب الدعاء؟

دعونا نتفق في بادئ الأمر أن استجابة الدعاء بأمر الله وحده سبحانه وتعالى، لا مجال للإرادة البشرية فيها، فالمرء يدعو وينتظر أن يمن الله عليه بالإجابة عن شاء، وإن لم يشأ ففي ذلك حكمة بالغة لا يعلمها إلا هو سبحانه.

لذا فإن الشروط التي يعنينا ذكرها الآن هي تلك الأركان التي تتعلق بقبول الدعاء، أو صحته، فمتى يكون الدعاء صحيحًا هو السؤال الأحرى، فليس كل دعاء يُستجاب، كما أن تحقيق المراد من الدعاء لا يُشترط أن يدل على الاستجابة، أو يكون مؤشرًا لها.. أما عن تلك الشروط فهي:

  • أن يكون المرء ماله حلالًا، وطعامه وملبسه، فلا يوجد ما يشوبه بالإفساد، بأن يراعي الله في الرزق، ولا يأكل أموال الناس بالباطل.. مصداقًا إلى قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:

أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟! صحيح مسلم.

  • عدم رد المعصية بأخرى، فإن تعرض أحدهم لظلم أو أذى من غيره فلا يصح أن يرده بالمثل في الدعاء، وهذا ما يُجيب على سؤالنا المطروح هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب.
  • ألا يكون الدعاء على النفس بالهلاك أو الموت أو الأذى أو أشياء من هذا القبيل، لأن ذلك غير جائز.
  • لا يحمل الدعاء اعتداءً، فذلك ليس من التأدب مع الله سبحانه وتعالى، فلا يحمل الدعاء ظلمًا أو أذى، لأن هذا يُفسد من أركانه، وينتقص من استجابته.. كما قال الله تعالى في مُحكم التنزيل: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) سورة الأعراف.

فبعد استيفاء تلك الشروط في الدعاء، يُصبح صحيحًا، ولا يشترط أن تتم الاستجابة بتحقيق المراد منه، بل من الممكن أن تحدث في وقت لاحق الله أعلم به فيدّخره للوقت الأنسب، أو أن يمنع بذلك الدعاء شرًا وأذى.

اقرأ أيضًا: قصتي مع الدعاء يوم عرفة

هل يجوز الدعاء على الظالم؟

لا يعني جوابنا على سؤال هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب بأن الدعاء على الظالم غير جائز أيَضًا، بل ذكرنا آنفًا أنه يجوز للمسلم أن يدعو بكل ما تكن به نفسه، كما أن دعوة المظلوم لا تُرد.. لكن القضية هنا في “كيف يكون الدعاء على الظالم”؟ فلا ينبغي الدعاء عليه بالهلاك أو الموت، إنما يكفي “حسبي الله ونعم الوكيل” فالله هو القادر على أن ينتصر للمظلوم ويهلك الظالم إثر طغيانه وجبروته.

فهنا يدعو المسلم ربه كي ينتصر له على من ظلمه، لا يدعو على ظالمه بالشر أو الأذى، فالله هو المنتقم الجبار العادل، الذي لا يرضى لعباده الظلم، ولا يترك من يسعى في الأرض فسادًا وظلمًا.. كما للمسلم أن يدعو لله كدعاء سيدنا نوح، كما جاء في مُحكم التنزيل في سورة القمر:

فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (15)”.. أي أن يختار العبد الألفاظ في دعائه، ويسأل الله أن يرد ظلم من ظلمه، ويجعل كيده في نحره.

أدعية نبوية لرد الظلم على الظالم

عن عبد الله بن عباس –رضي الله عنه- قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “اتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّهُ ليسَ بينَها وبينَ اللَّهِ حجابٌ” (صحيح).. ولمّا كان الدعاء على الظالم بالموت ينتقص من شروط الاستجابة، وهو غير جائز، لنا أن نقدم بعض الأدعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعتبر كافية بدلًا من الدعاء على الظالم بالأذى والموت، جاءت كما يلي:

  • لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم لا إله إلا أنت عز جارك وجل ثناؤك
  • اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم
  • اللهم أنت عضدي، وأنت ناصري، وبك أقاتل
  • يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين

كما أن الدعاء بالقلب وحده يُمثل دعاءً، لأن اللسان ينبع مما يورد في القلب، ويكون كله إثر النية الكامنة في نفس العبد.

اقرأ أيضًا: دعاء سريع الاجابة للانتقام من الظالم

الدعاء على النفس بالموت

تمامًا كما ذكرنا في جواب سؤال “هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب”، فإنه من الأمور المكروهة في الدعاء أن يدعو أحدهم على نفسه بأن يموت، ربما في لحظة غضب عارمة أو أثناء عجز وقهر.

مصداقًا إلى قول الله تعالى في سورة الإسراء: “وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا (11) وكذلك في سورة يونس: “وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)“.

كما ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: “لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ“، فكان النبيّ يُعلم أصحابه عدم التلفظ بكل ما يُكره.

لذا يجب أن يتحكم المرء في نفسه وانفعالاته، ويذكر الله وقت الغضب حتى لا يتلفظ بالسوء، ألم يخبرنا الله أن بذكره تطمئن القلوب وتهدأ النفوس؟ فليس على من شعر بالقساوة والغضب والانفعالات الحادة إلا أن يذكر ربه ويستعيذ به من الشيطان الرجيم، ولا يدع شيطانه يتحكم فيه، فلا يدعو على نفسه بالموت أو ما شابه، لأنه من غير الجائز شرعًا.

اقرأ أيضًا: ماهو الدعاء الذي كان الرسول يقول في ليلة القدر

الدعاء بزوال النعمة

جنبًا إلى جنب في ذكر إجابة وافية لسؤال هل الدعاء على شخص بالموت يستجاب.. نذكر أن الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم نهوا عن الدعاء بزوال النعمة، وهذا ما يحدث أحيانًا في أوقات الانفعالات أو الشدائد.. فيذهب ضعاف الإيمان إلى التلفظ بما لا يليق في الدعاء مع الله، لذا يجب توخي الحذر، وأن يعلم المؤمن تمام العلم بضوابط الدعاء وآدابه، فلا يدعو إلا بكل خير.

لا يقبل الله من عبده عملًا إلا وهو منزه من المفاسد.. سواء كانت من العيوب الشرعية أو فساد النية أو الأغراض الدنيئة.

قد يعجبك أيضًا