هل يجوز الترحم على غير المسلمين

هل يجوز الترحم على غير المسلمين سؤال يشغل أذهان الكثير من المسلمين، فكثيراً ما يلتف الناس حول شخص غير مسلم اشتهر بفعل الخير وخدمة المجتمع، فيحمل له الناس في قلوبهم رصيداً من الحب، فيدعون له في حياته أن ُيشرح صدره للإسلام، لعله يظفر بجنات الله، وعند موته يدعون له بالرحمة من فرط الحب والتقدير، فنجد من يقول له، اتق الله يا هذا فلن يرحم الله غير مسلم، فتابعونا من خلال ما يلي عبر موقع زيادة لنحسم الأمر سوياً ونعرف هل يجوز الترحم على غير المسلمين.

اقرأ أيضًا: هل يجوز الترحم على الكافر

هل يجوز الترحم على غير المسلمين

هل يجوز الترحم على غير المسلمين

اختلف العلماء في حسم الأمر بإجابة محددة عن هذا السؤال الذي يهم عامة المسلمين وهو هل يجوز الترحم على غير المسلمين، فمنهم من يرى جواز ذلك ومنهم من يرى تحريمه ولكن لا يزعجكم اختلاف العلماء، ففي اختلافهم رحمة للمسلمين، فتابعوا لنقدم إليكم أقوال العلماء مصحوبةً بالأدلة ونوضح لكم أرجح الأقوال فيما يلي:

الرأي الأول

يرى بعض العلماء أنه لا يجوز الترحم على غير المسلمين واستدلوا على ذلك بقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز:

“مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}.

وأيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). رواه مسلم وغيره.

بالإضافة إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: وقد قال تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (الأعراف 55).

قيل المعتدين في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك.

ومن خلال ما تم عرضه أنه يحرم الدعاء بالرحمة لغير المسلمين، فالله تبارك وتعالى قد حرم الجنة على كل من مات على غير الإسلام، والدعاء للأموات من غير المسلمين بالرحمة هو من باب الاعتداء والظلم البين.

أما قول البعض بجواز الدعاء بالرحمة لأموات غير المسلمين لأن الإسلام دين رحمة وتسامح ودائماً يدعو إلى مكارم الأخلاق، فنرد عليهم بأن ذلك لا يبرر جواز الدعاء بالرحمة لغير المسلمين فالله أرحم الراحمين هو من نهى رسوله _صلى الله عليه وسلم_ والمؤمنين عن الاستغفار للغير مسلمين حتى ولو كانوا من المقربين كالوالدين.

ويختلف هذا عن الدعاء بالهداية لغير المسلمين ما داموا أحياء فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لدوس بالهداية إلى الإسلام فقال:”

“اللهم اهد دوساً وائت بهم”. متفق عليه.

كما يجوز أيضاً المشي في جنائز المسلمين فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتبع جنائزهم، والدليل على ذلك.

ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: مرت جنازة، فقام لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله؛ إنها يَهُودِيَّةً! فَقَالَ: إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا. وهذا لفظ مسلم، أما الترحم عليهم فهو غير جائز.

اقرأ أيضًا: هل يجوز الترحم علي المنتحر

الرأي الثاني

وجاء الرأي الثاني في مسألة هل يجوز الترحم على غير المسلمين على لسان مجموعة من العلماء، يرون جواز الدعاء للأموات من غير المسلمين، الذين عرف عنهم الرحمة والطيبة وعدم معاداة الإسلام والمسلمين، بالرحمة مستدلين على ذلك بقول الحق تبارك وتعالى:

(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، [الأعراف 156]

حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن هناك فرق كبير بين الرحمة والمغفرة، فرحمة الله وسعت كل شيء فكيف لا تسع غير المسلمين الذين عرف عنهم الطيبة وعدم معاداة الإسلام، فغير المسلمين في النهاية هم من مخلوقات الله، يحييهم ويرزقهم ويميتهم وتسعهم رحمته.

وطلب الرحمة هنا لا يعني دخول الجنة، فقد حرمها الله على غير المسلمين، ولكن ما يقصد بالرحمة هنا هو تخفيف العذاب، فمفهوم الرحمة أوسع وأشمل من مفهوم المغفرة، فيوم القيامة يشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وتشمل شفاعته المسلم وغير المسلم، فيخفف عنهم العذاب، وتلك هي الرحمة التي يجوز الدعاء بها لغير المسلم، أما المغفرة فلا يجوز الدعاء بها للمشركين .

اقرأ أيضًا: هل يجوز الدعاء لغير المسلمين؟

الرأي الثالث

هل يجوز الترحم على غير المسلمين

يروا جواز الدعاء بالرحمة والمغفرة لغير المسلمين مستشهدين بقول الحق تبارك وتعالى في سورة إبراهيم:

  • (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (سورة إبراهيم 41)

وأن أم سيدنا إبراهيم كانت على ملة أبيه وهذا ليس به إنكار ودعا لها سيدنا إبراهيم بالمغفرة.

  • والدليل الثاني هو ما ورد في نهاية سورة نوح، حينما قال سيدنا نوح

(رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (سورة نوح 28)

وهذا رأي الدكتور سعيد الهلالي عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، كما نوه هنا أنه يجوز الدعاء بالرحمة والمغفرة بشرط قصد التخفيف من العذاب فقط وهو من أنواع الرحمة، أما قصد المغفرة ودخول الجنة فهو غير جائز، كما أن استغفار سيدنا إبراهيم لأبيه كان وفاء بوعده لأبيه حيث قال تعالى،

(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ) (التوبة 114)

اقرأ أيضًا: هل يجوز قراءة الفاتحة على الميت

وختاماً نرجو أن نكون قد قدمنا لكم إجابة وافية، لهذا السؤال الذي طالما شغل أذهانكم، هل يجوز الترحم على غير المسلمين وقد اختلفت أراء العلماء في حسم هذه المسألة الفقهية الهامة التي تمس عقيدة المسلمين بشكل مباشر، ودائماً نقف حائرين هل ندعوا لهؤلاء الطيبين الذين لم نرى منهم أذى، أم يحرم ذلك لكونهم غير مسلمين، نتمنى أن ينفعكم ما قدمنا لكم من آراء الفقهاء المصحوبة بالأدلة في حسم الموقف.

قد يعجبك أيضًا