حكم العدة للأرملة فوق الخمسين

حكم العدة للأرملة فوق الخمسين من الأحكام الفقهية التي تُحدِث لغطًا عند العامة؛ بسبب إن سن الخمسين عند أغلب النساء هو سن اليأس (أي انقطاع الحيض الشهري) وهن المقصودات بقوله تعالى في سورة الطلاق: “وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)”.

بالرغم أنها لن تحمل ومؤكد من براءة الرحم فإن لها عدة، في هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول أقوال الفقهاء في حكم العدة للأرملة فوق الخمسين.

حكم العدة للأرملة فوق الخمسين

يقع حكم العدة للأرملة فوق الخمسين ضمن حكم “غير ذوات الحيض” وهي الصغيرة التي لم تبلغ بعد أو الكبيرة التي لا تحيض من الأساس أو التي كانت تحيض وانقطع عنها الحيض.

المقصود بالتي فق الخمسين هي المرأة التي بلغت سن اليأس، وهذا على أغلب حال بنات حواء، فقال بعض الفقهاء إنه خمسون وقال آخرون سن السياس في السيتين، لكن الإجماع كان على أن سن اليأس يختلف حسب كل امرأة؛ وهذا ما قال به شيح الإسلام: “اليأس مختلف باختلاف النساء، وليس له حد يتفق عليه النساء”.

قال ابن قدامه في كتابه (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي): “اليأس مختلف باختلاف النساء، وليس له حد يتفق عليه النساء وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها فهو حيض في الصحيح، لأن دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادراً، وإن رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد ذلك”.

قد أجمع الفقهاء على أن عدة المرأة التي بلغت سن اليأس وتوفى عنها زوجها هو أربعة أشهر وعشرة أيام كاملة، وذلك لقول الله تعالى في سورة البقرة:

“وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)”

فالآية عامة لم تفرق بين حالات النساء (الصغيرة التي لم تبلغ المحيض، الكبيرة التي بلغت سن الياس، التي تحيض، الكبيرة لكنها لا تحيض…)، لكن إذا كانت المرأة حامل فتنتهي عدتها بوضع حملها وبراءة رحمها.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: طلقها طلقة واحدة وراجعها في نفس اليوم

أقوال الفقهاء في حكم العدة للأرملة فوق الخمسين

لأهمية موضوع حكم العدة للأرملة فوق الخمسين قد تناول الفقهاء والمفسرين الآية السابقة بالتعليق والشرح والتفسير مثل:

  • ابن القيم في كتابه (زاد المعاد في هدى خير العباد 664/5) قال بعموم الآية بنص: “وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة”
  • ابن كثير في تفسيره (1/569-570) قال بعموم نص الآية على كافة النساء ولا تخرج من تلك الأحكام سوى المرأة المتوفى عنها زوجها وهي حامل فتنتهي عدتها بوضع حملها.
  • القرطبي في تفسيره (3/183) قال:

“عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية – دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل – وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم الآية في قوله تعالى: { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً }…”

حساب عدة الأرملة

اتفق الفقهاء على أن عدة المتوفى عنها زوجها تُحسب بالأشهر الهجرية (القمرية)، أي أربعة أشهر هجرية وعشرة أيام، فإذا وقع الموت للزوج في منتصف الشهر؛ هنا وقع اختلاف بين الفقهاء بين أن تبدأ من أول الشهر، أن تعتد مائة وثلاثين يومًا كاملًا، وهذا هو الأولى على أغلب الأقوال.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: عدة المرأة الكبيرة في السن المتوفى زوجها

 الحكمة من عدة الأرملة

قد يرى البعض أن العدة كانت لبراءة الرحم من وجود جنين، فلما هناك حكم العدة للأرملة فوق الخمسين على الرغم من أنها لن تلد بطبيعة الحال ومؤد إنها ليست حامل؛ لكن العدة شرعها الرحمن لأسباب وجيهة قد نعلم بعضها ويخفى عنا بعضها، وقد تناول الفقهاء بعض مما وصل إلى قلوبهم من الحكمة وراء العدة للمرأة التي يأست من الحيض، من هذه الأقوال:

أراء الفقهاء في الحكمة من عدة الأرملة

يرى الفقهاء أن الحكمة من عدة الأرملة هي:

  • أن النكاح أمر عظيم وجاءت العدة للتنويه على ذلك، ولا ينفك عقد الزواج إلا بانتظار فترة محددة من الزمن، وإذا لم يكن ذلك الأمور لكان الزواج لعبة يبدأ وينفك في ساعتها، وبهذا أن عقد نكاح يوطد أنفس المتزوجين على الاستدامة الطويلة.
  • يرى شيخ الإسلام “ابن تيمية” رحمه الله في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد 5/ 665):

“عدَّة الوفاة حرمٌ لانقضاء النِّكاح، ورعايةٌ لحقِّ الزَّوج، ولهذا تحدُّ المتوفَّى عنها في عدَّة الوفاة رعاية لحقِّ الزَّوج، فجعلت العدَّة حريماً لحقِّ هذا العقد الذي له خطر وشأن، فيحصل بهذه فصلٌ بين نكاح الأول ونكاح الثَّاني، ولا يتصل النِّاكحان، ألا ترى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عظم حقُّه، حرم نساؤه بعده، وبهذا اختص الرسول”.

  • يرى الإمام الكسائي في كتابه (بدائع الصنائع 3/ 304): أن العدة كانت لإظهار الحزن بفوات النكاح وهذا الأمر العظيم، فبانتهائه وجب عليها العدة.
  • حكم العدة تحمي المرأة من أن تكون مقصد للخاطبين من الرجال في فترة حزنها، بخلاف الرجل الذي لم تشرع له العدة لأن الرجل هو من يتقدم لخطبة النساء؛ فلو كان حزينًا على فراق زوجته لن يتقدم لخطبة أخرى، على عكس المرأة التي قد لا يدري الخاطبون بحزنها، فشرع الله العدة تخصينًا لها حتى لا يتقدم إليها خاطب في عدتها، فقال الله تعالى:

“وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (البقرة 235).

  • الطبيعة الخَلقية للمرأة التي جبلها عليها الله تعالى لا تقبل أن تستبدل زوج مكان آخر بعد موته بسرعة، ولا بد من أن تحزن عليه لذلك شرع الله العدة.
  • يرى الدكتور “حسام الدين عفانة” في (فتاوى معاصرة): أن العدة هي أمر شرعي على كل امرأة مات زوجها سواء كان مدخول بها أم لا، سواء كانت من ذوات المحيض أم من اللَّائِي يَئِسْنَ، ليس لنا أن نختار ولا نقول إلا نتبع قول الله تعالى:

“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (البقرة 285).

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم إرجاع الزوجة بعد انتهاء العدة في الطلاق البائن

قد يعجبك أيضًا